الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **
قال: [ولا يعطى الجازر بأجرته شيئا منها] وبهذا قال مالك والشافعي وأصحاب الرأي ورخص الحسن وعبد الله بن عبيد بن عمير, في إعطائه الجلد ولنا ما روي على رضي الله عنه قال (أمرنى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن أقوم على بدنه وأن أقسم جلودها وجلالها, وأن لا أعطى الجازر منها شيئا وقال: نحن نعطيه من عندنا) متفق عليه ولأن ما يدفعه إلى الجزار أجرة عوض عن عمله وجزارته ولا تجوز المعاوضة بشيء منها فأما إن دفع إليه لفقره, أو على سبيل الهدية فلا بأس لأنه مستحق للأخذ فهو كغيره, بل هو أولى لأنه باشرها وتاقت نفسه إليها. قال: [وله أن ينتفع بجلدها ولا يجوز أن يبيعه, ولا شيئا منها] وجملة ذلك أنه لا يجوز بيع شيء من الأضحية لا لحمها ولا جلدها واجبة كانت أو تطوعا لأنها تعينت بالذبح قال أحمد: لا يبيعها, ولا يبيع شيئا منها وقال: سبحان الله كيف يبيعها وقد جعلها لله تبارك وتعالى وقال الميمونى: قالوا لأبي عبد الله: فجلد الأضحية يعطاه السلاخ؟ قال: لا وحكى قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: لا يعطى الجازر في جزارتها شيئا منها ثم قال إسناده جيد وبهذا قال أبو هريرة وهو مذهب الشافعي ورخص الحسن, والنخعي في الجلد أن يبيعه ويشترى به الغربال والمنخل وآلة البيت وروى نحو هذا عن الأوزاعي لأنه ينتفع به هو وغيره فجرى مجرى تفريق اللحم وقال أبو حنيفة: يبيع ما شاء منها ويتصدق بثمنه وروي عن ابن عمر, أنه يبيع الجلد ويتصدق بثمنه وحكاه ابن المنذر عن أحمد وإسحاق ولنا, أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بقسم جلودها وجلالها ونهيه أن يعطى الجازر شيئا منها ولأنه جعله لله - تعالى فلم يجز بيعه, كالوقف وما ذكروه في شراء آلة البيت يبطل باللحم, لا يجوز بيعه بآلة البيت وإن كان ينتفع به فأما جواز الانتفاع بجلودها وجلالها فلا خلاف فيه لأنه جزء منها, فجاز للمضحى الانتفاع به كاللحم وكان علقمة ومسروق يدبغان جلد أضحيتهما, ويصليان عليه وروت عائشة قالت: (قلت: يا رسول الله قد كانوا ينتفعون من ضحاياهم, يجملون منها الودك ويتخذون منها الأسقية قال: وما ذاك؟ قالت: نهيت عن إمساك لحوم الأضاحي فوق ثلاث قال: إنما نهيتكم للدافة التي دفت فكلوا, وتزودوا وتصدقوا) حديث صحيح رواه مالك, عن عبد الله بن أبى بكر عن عمرة عن عائشة رضي الله عنها ولأنه انتفاع به فجاز كلحمها. قال [ويجوز أن يبدل الأضحية إذا أوجبها بخير منها] هذا المنصوص عن أحمد وبه قال عطاء ومجاهد, وعكرمة ومالك وأبو حنيفة, ومحمد بن الحسن واختار أبو الخطاب أنه لا يجوز بيعها ولا إبدالها لأن أحمد نص في الهدى إذا عطب, أنه يجزئ عنه وفي الأضحية إذا هلكت أو ذبحها فسرقت, لا بدل عليه ولو كان ملكه مازال عنها لزمه بدلها في هذه المسائل وهذا مذهب أبى يوسف والشافعي, وأبى ثور لأنه قد جعلها لله تعالى فلم يملك التصرف فيها بالبيع والإبدال كالوقف ولنا ما روي (أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ساق مائة بدنة في حجته, وقدم على من اليمن فأشركه فيها) رواه مسلم وهذا نوع من الهبة أو بيع ولأنه عدل عن عين وجبت لحق الله تعالى إلى خير منها من جنسها, فجاز كما لو وجبت عليه بنت لبون فأخرج حقة في الزكاة, فأما بيعها فظاهر كلام الخرقي أنه لا يجوز وقال القاضي: يجوز أن يبيعها, ويشترى خيرا منها وهو قول عطاء ومجاهد, وأبى حنيفة لما ذكرنا من حديث بدن النبي -صلى الله عليه وسلم- وإشراكه فيها ولأن ملكه لم يزل عنها بدليل جواز إبدالها, ولأنها عين يجوز إبدالها فجاز بيعها كما قبل إيجابها ولنا أنه جعلها لله تعالى, فلم يجز بيعها كالوقف وإنما جاز إبدالها بجنسها لأنه لم يزل الحق فيها عن جنسها, وإنما انتقل إلى خير منها فكأنه في المعنى ضم زيادة إليها وقد جاز إبدال المصحف, ولم يجز بيعه وأما حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- فالظاهر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يبعها وإنما شرك عليا في ثوابها وأجرها ويحتمل أن ذلك كان قبل إيجابها وقول الخرقي: بخير منها يدل على أنه لا يجوز بدونها ولا خلاف في هذا لأنه تفويت جزء منها, فلم يجز كإتلافه وأنه لا يجوز بمثلها لعدم الفائدة في هذا وقال القاضي: في إبدالها بمثلها احتمالان أحدهما جوازه لأنه لا ينقص مما وجب عليه شيء, ولنا أنه بغير ما أوجبه لغير فائدة فلم يجز كإبداله بما دونها. قال [وإذا مضى من نهار يوم الأضحى مقدار صلاة العيد وخطبته, فقد حل الذبح إلى آخر يومين من أيام التشريق نهارا ولا يجوز ليلا] الكلام في وقت الذبح في ثلاثة أشياء أوله وآخره, وعموم وقته أو خصوصه أما أوله فظاهر كلام الخرقي أنه إذا مضى من نهار يوم العيد قدر تحل فيه الصلاة وقدر الصلاة والخطبتين التامتين في أخف ما يكون, فقد حل وقت الذبح ولا تعتبر نفس الصلاة لا فرق في هذا بين أهل المصر وغيرهم وهذا مذهب الشافعي, وابن المنذر وظاهر كلام أحمد أن من شرط جواز التضحية في حق أهل المصر صلاة الإمام وخطبته وروى نحو هذا عن الحسن والأوزاعي, ومالك وأبى حنيفة وإسحاق لما روى جندب بن عبد الله البجلي, أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (من ذبح قبل أن يصلى فليعد مكانها أخرى) وعن البراء قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (من صلى صلاتنا ونسك نسكنا, فقد أصاب النسك ومن ذبح قبل أن يصلى فليعد مكانها أخرى) متفق عليه وفي لفظ قال: إن أول نسكنا في يومنا هذا الصلاة ثم, الذبح فمن ذبح قبل الصلاة فتلك شاة لحم قدمها لأهله, ليس من النسك في شيء " وظاهر هذا اعتبار نفس الصلاة وقال عطاء: وقتها إذا طلعت الشمس لأنها عبادة يتعلق آخرها بالوقت فتعلق أولها بالوقت كالصيام وهذا وجه قول الخرقي ومن وافقه والصحيح, -إن شاء الله تعالى- أن وقتها في الموضع الذي يصلى فيه بعد الصلاة لظاهر الخبر والعمل بظاهره أولى فأما غير أهل الأمصار والقرى, فأول وقتها في حقهم قدر الصلاة والخطبة بعد الصلاة لأنه لا صلاة في حقهم تعتبر فوجب الاعتبار بقدرها وقال أبو حنيفة: أول وقتها في حقهم إذا طلع الفجر الثاني لأنه من يوم النحر فكان وقتها منه كسائر اليوم ولنا, أنها عبادة وقتها في حق أهل المصر بعد إشراق الشمس فلا تتقدم وقتها في حق غيرهم كصلاة العيد وما ذكروه يبطل بأهل الأمصار فإن لم يصل الإمام في المصر, لم يجز الذبح حتى تزول الشمس لأنها حينئذ تسقط فكأنه قد صلى وسواء ترك الصلاة عمدا أو غير عمد, لعذر أو غيره فأما الذبح في اليوم الثاني فهو في أول النهار لأن الصلاة فيه غير واجبة ولأن الوقت قد دخل في اليوم الأول, وهذا من أثنائه فلا تعتبر فيه صلاة ولا غيرها وإن صلى الإمام في المصلى واستخلف من صلى في المسجد, فمتى صلوا في أحد الموضعين جاز الذبح لوجود الصلاة التي يسقط بها الفرض عن سائر الناس فإن ذبح بعد الصلاة قبل الخطبة أجزأ في ظاهر كلام أحمد لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- علق المنع على فعل الصلاة فلا يتعلق بغيره, ولأن الخطبة غير واجبة وهذا قول الثوري الثاني آخر الوقت وآخره آخر اليوم الثاني من أيام التشريق فتكون أيام النحر ثلاثة يوم العيد, ويومان بعده وهذا قول عمر وعلى وابن عمر, وابن عباس وأبي هريرة وأنس قال أحمد: أيام النحر ثلاثة, عن غير واحد من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وفي رواية قال: خمسة من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولم يذكر أنسا وهو قول مالك والثوري, وأبى حنيفة وروي عن على آخر أيام التشريق وهو مذهب الشافعي وقول عطاء, والحسن لأنه روي عن جبير بن مطعم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (أيام منى كلها منحر) ولأنها أيام تكبير وإفطار فكانت محلا للنحر كالأولين وقال ابن سيرين: لا تجوز إلا في يوم النحر خاصة لأنها وظيفة عيد, فلا تجوز إلا في يوم واحد كأداء الفطر يوم الفطر وقال سعيد بن جبير وجابر بن زيد, كقول ابن سيرين في أهل الأمصار وقولنا في أهل منى وعن أبى سلمة بن عبد الرحمن, وعطاء بن يسار: تجوز التضحية إلى هلال المحرم وقال أبو أمامة بن سهل بن حنيف: كان الرجل من المسلمين يشترى أضحية فيسمنها حتى يكون آخر ذى الحجة فيضحي بها رواه الإمام أحمد بإسناده وقال: هذا الحديث عجيب وقال: أيام الأضحى التي أجمع عليها ثلاثة أيام ولنا, أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن ادخار لحوم الأضاحي فوق ثلاث ولا يجوز الذبح في وقت لا يجوز ادخار الأضحية إليه ولأن اليوم الرابع لا يجب الرمي فيه فلم تجز التضحية فيه, كالذي بعده ولأنه قول من سمينا من الصحابة ولا مخالف لهم إلا رواية عن علي, وقد روى عنه مثل مذهبنا وحديثهم إنما هو: (ومنى كلها منحر) ليس فيه ذكر الأيام والتكبير أعم من الذبح, وكذلك الإفطار بدليل أول يوم النحر ويوم عرفة يوم تكبير, ولا يجوز الذبح فيه الثالث في زمن الذبح وهو النهار دون الليل نص عليه أحمد, في رواية الأثرم وهو قول مالك وروي عن عطاء ما يدل عليه وحكي عن أحمد رواية أخرى أن الذبح يجوز ليلا وهو اختيار أصحابنا المتأخرين, وقول الشافعي وإسحاق وأبى حنيفة وأصحابه لأن الليل زمن يصح فيه الرمي, فأشبه النهار ووجه قول الخرقي قول الله تعالى: إذا فات وقت الذبح, ذبح الواجب قضاء وصنع به ما يصنع بالمذبوح في وقته وهو مخير في التطوع, فإن فرق لحمها كانت القربة بذلك دون الذبح لأنها شاة لحم وليست أضحية وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة: يسلمها إلى الفقراء, ولا يذبحها فإن ذبحها فرق لحمها وعليه أرش ما نقصها الذبح لأن الذبح قد سقط بفوات وقته ولنا, أن الذبح أحد مقصودى الأضحية فلا يسقط بفوات وقته كتفرقة اللحم وذلك أنه لو ذبحها في الأيام, ثم خرجت قبل تفريقها فرقها بعد ذلك ويفارق الوقوف والرمى ولأن الأضحية لا تسقط بفواتها, بخلاف ذلك. إذا وجبت الأضحية بإيجابه لها فضلت أو سرقت بغير تفريط منه فلا ضمان عليه, لأنها أمانة في يده فإن عادت إليه ذبحها سواء كان في زمن الذبح, أو فيما بعد على ما ذكرناه.
مسألة قال: [فإن ذبح قبل ذلك لم يجزئه ولزمه البدل] وذلك لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- (من ذبح قبل أن يصلي فليعد مكانها أخرى) ولأنها نسيكة واجبة, ذبحها قبل وقتها فلزمه بدلها كالهدي إذا ذبحه قبل محله ويجب أن يكون بدلها مثلها أو خيرا منها لأن ذبحها قبل محلها إتلاف لها وكلام الخرقي, ومن أطلق من أصحابنا محمول على الأضحية الواجبة بنذر أو تعيين فإن كانت غير واجبة بواحد من الأمرين, فهي شاة لحم ولا بدل عليه إلا أن يشاء لأنه قصد التطوع فأفسده, فلم يجب عليه بدله كما لو خرج بصدقة تطوع فدفعها إلى غير مستحقها والحديث يحمل على أحد أمرين إما الندب, وإما على التخصيص بمن وجبت عليه بدليل ما ذكرنا فأما الشاة المذبوحة فهي شاة لحم كما وصفها النبي -صلى الله عليه وسلم- ومعناه يصنع بها ما شاء, كشاة ذبحها للحمها لا لغير ذلك فإن هذه إن كانت واجبة, فقد لزمه إبدالها وذبح ما يقوم مقامها فخرجت هذه عن كونها واجبة, كالهدى الواجب إذا عطب دون محله وإن كان تطوعا, فقد أخرجها بذبحه إياها قبل محلها عن القربة فبقيت مجرد شاة لحم ويحتمل أن يكون حكمها حكم الأضحية كالهدى إذا عطب لا يخرج عن حكم الهدى على رواية, ويكون معنى قوله " شاة لحم " أي في فضلها وثوابها خاصة دون ما يصنع بها. قال: [ولا يستحب أن يذبحها إلا مسلم, وإن ذبحها بيده كان أفضل] وجملته أنه يستحب أن لا يذبح الأضحية إلا مسلم لأنها قربة فلا يليها غير أهل القربة وإن استناب ذميا في ذبحها, جاز مع الكراهة وهذا قول الشافعي وأبى ثور وابن المنذر وحكي عن أحمد, لا يجوز أن يذبحها إلا مسلم وهذا قول مالك وممن كره ذلك على وابن عباس وجابر رضي الله عنهم وبه قال الحسن, وابن سيرين وقال جابر: لا يذبح النسك إلا مسلم لما روى في حديث ابن عباس الطويل عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: " ولا يذبح ضحاياكم إلا طاهر " ولأن الشحوم تحرم علينا مما يذبحونه على رواية فيكون ذلك بمنزلة إتلافه ولنا أن من جاز له ذبح غير الأضحية, جاز له ذبح الأضحية كالمسلم ويجوز أن يتولى الكافر ما كان قربة للمسلم, كبناء المساجد والقناطر ولا نسلم تحريم الشحوم علينا بذبحهم والحديث محمول على الاستحباب, والمستحب أن يذبحها المسلم ليخرج من الخلاف وإن ذبحها بيده كان أفضل لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- ضحى بكبشين أقرنين أملحين ذبحهما بيده وسمى وكبر, ووضع رجله على صفاحهما ونحر البدنات الست بيده ونحر من البدن التي ساقها في حجته ثلاثا وستين بدنة بيده ولأن فعله قربة وفعل القربة أولى من استنابته فيها فإن استناب فيها جاز لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- استناب من نحر باقى بدنه بعد ثلاث وستين وهذا لا شك فيه ويستحب أن يحضر ذبحها لأن في حديث ابن عباس الطويل " واحضروها إذا ذبحتم فإنه يغفر لكم عند أول قطرة من دمها " وروى (أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لفاطمة: احضرى أضحيتك, يغفر لك بأول قطرة من دمها). قال: [ويقول عند الذبح: بسم الله والله أكبر وإن نسي فلا يضره] ثبت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- (كان إذا ذبح قال: بسم الله والله أكبر) وفي حديث أنس: وسمى وكبر وكذلك كان يقول ابن عمر وبه يقول أصحاب الرأي, ولا نعلم في استحباب هذا خلافا ولا في أن التسمية مجزئة وإن نسي التسمية أجزأه, على ما ذكرنا في الذبائح وإن زاد فقال: اللهم هذا منك ولك اللهم تقبل منى أو من فلان فحسن وبه قال أكثر أهل العلم وقال أبو حنيفة: يكره أن يذكر اسم غير الله لقول الله تعالى: قال: [وليس عليه أن يقول عند الذبح عمن لأن النية تجزئ] لا أعلم خلافا في أن النية تجزئ وإن ذكر من يضحي عنه فحسن لما روينا من الحديث قال الحسن: يقول بسم الله, والله أكبر هذا منك ولك تقبل من فلان وكره أهل الرأي هذا وقد ذكرناه في التي قبلها.
فصل وإن عين أضحية, فذبحها غيره بغير إذنه أجزأت عن صاحبها ولا ضمان على ذابحها وبهذا قال أبو حنيفة وقال مالك: هي شاة لحم, لصاحبها أرشها وعليه بدلها لأن الذبح عبادة فإذا فعلها غير صاحبها عنه بغير إذنه لم تقع الموقع, كالزكاة وقال الشافعي: تجزئ عن صاحبها وله على ذابحها أرش ما بين قيمتها صحيحة ومذبوحة لأن الذبح أحد مقصودى الهدى فإذا فعله فاعل بغير إذن المضحي, ضمنه كتفرقة اللحم ولنا على مالك, أنه فعل لا يفتقر إلى النية فإذا فعله غير الصاحب أجزأ عنه كغسل ثوبه من النجاسة وعن الشافعي, أنها أضحية أجزأت عن صاحبها ووقعت موقعها فلم يضمن ذابحها, كما لو كان بإذن ولأنه إراقة دم تعين إراقته لحق الله - تعالى فلم يضمن مريقه, كقاتل المرتد بغير إذن الإمام ولأن الأرش لو وجب فإنما يجب ما بين كونها مستحقة الذبح في هذه الأيام متعينة له وما بين كونها مذبوحة, ولا قيمة لهذه الحياة ولا تفاوت بين القيمتين فتعذر وجود الأرش ووجوبه, ولأنه لو وجب الأرش لم يخل إما أن يجب للمضحى أو للفقراء لا جائز أن يجب للفقراء لأنهم إنما يستحقونها مذبوحة, ولو دفعها إليهم في الحياة لم يجز ولا جائز أن يجب له لأنه لا يجوز أن يأخذ بدل شيء منها كعضو من أعضائها, ولأنهم وافقونا في أن الأرش لا يدفع إليه فيتعذر إيجابه لعدم مستحقه.
فصل وإن نذر أضحية في ذمته ثم ذبحها, فله أن يأكل منها وقال القاضي: من أصحابنا من منع الأكل منها وهو ظاهر كلام أحمد وبناه على الهدى المنذور ولنا أن النذر محمول على المعهود, والمعهود من الأضحية الشرعية ذبحها والأكل منها والنذر لا يغير من صفة المنذور إلا الإيجاب, وفارق الهدى الواجب بأصل الشرع لا يجوز الأكل منه فالمنذور محمول عليه بخلاف الأضحية.
فصل ولا يضحي عما في البطن وروي ذلك عن ابن عمر وبه قال الشافعي, وأبو ثور وابن المنذر ولا نعلم مخالفا لهم وليس للعبد والمدبر, والمكاتب وأم الولد أن يضحوا إلا بإذن سادتهم لأنهم ممنوعون من التصرف بغير إذنهم, إلا المكاتب فإنه ممنوع من التبرع والأضحية تبرع وأما من نصفه حر إذا ملك بجزئه الحر شيئا, فله أن يضحي بغير إذن سيده لأن له أن يتبرع بغير إذنه
مسألة قال: [ويجوز أن يشترك السبعة فيضحوا بالبدنة والبقرة] وجملته أنه يجوز أن يشترك في التضحية بالبدنة والبقرة سبعة واجبا كان أو تطوعا, سواء كانوا كلهم متقربين أو يريد بعضهم القربة وبعضهم اللحم وبهذا قال الشافعي وقال مالك: لا يجوز الاشتراك في الهدى وقال أبو حنيفة: يجوز للمتقربين ولا يجوز إذا كان بعضهم غير متقرب لأن الذبح واحد, فلا يجوز أن تختل نية القربة فيه ولنا ما روي جابر قال: (أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن نشترك في الإبل والبقر, كل سبعة منا في بدنة) رواه مسلم ولنا على أبى حنيفة أن الجزء المجزأ لا ينقص بإرادة الشريك غير القربة, فجاز كما لو اختلفت جهات القرب فأراد بعضهم التضحية, وبعضهم الفدية
فصل ويجوز للمشتركين قسمة اللحم ومنع منه أصحاب الشافعي في وجه بناء على أن القسمة بيع, وبيع لحم الهدى والأضحية غير جائز ولنا أن أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بالاشتراك مع أن سنة الهدى والأضحية الأكل منها, دليل على تجويز القسمة إذ لا يتمكن واحد منهم من الأكل إلا بالقسمة وكذلك الصدقة والهدية, ولا نسلم أن القسمة بيع بل هي إفراز حق على ما ذكرناه في باب القسمة.
مسألة قال [والعقيقة سنة عن الغلام شاتان وعن الجارية شاة] العقيقة: الذبيحة التي تذبح عن المولود وقيل: هي الطعام الذي يصنع ويدعى إليه من أجل المولود قال أبو عبيد: الأصل في العقيقة الشعر الذي على المولود, وجمعها عقائق ومنها قول الشاعر: أيا هند لا تنكحى بوهة ** عليه عقيقته أحسبا
ثم إن العرب سمت الذبيحة عند حلق شعره عقيقة على عاداتهم في تسمية الشيء باسم سببه أو ما جاوره, ثم اشتهر ذلك حتى صار من الأسماء العرفية وصارت الحقيقة مغمورة فيه فلا يفهم من العقيقة عند الإطلاق إلا الذبيحة وقال ابن عبد البر: أنكر أحمد هذا التفسير, وقال: إنما العقيقة الذبح نفسه ووجهه أن أصل العق القطع ومنه عق والديه إذا قطعهما والذبح قطع الحلقوم والمريء والودجين والعقيقة سنة في قول عامة أهل العلم منهم ابن عباس, وابن عمر وعائشة وفقهاء التابعين, وأئمة الأمصار إلا أصحاب الرأي قالوا ليست سنة, وهي من أمر الجاهلية وروي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- (أنه سئل عن العقيقة فقال: إن الله - تعالى - لا يحب العقوق فكأنه كره الاسم وقال: من ولد له مولود, فأحب أن ينسك عنه فليفعل) رواه مالك في موطئه لو وقال الحسن وداود: هي واجبة وروي عن بريدة أن الناس يعرضون عليها كما يعرضون على الصلوات الخمس لما روى سمرة بن جندب, أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (كل غلام رهينة بعقيقته تذبح عنه يوم سابعه ويسمى فيه, وتحلق رأسه) وعن أبى هريرة مثله قال أحمد: إسناده جيد وروى حديث سمرة الأثرم وأبو داود وعن عائشة (أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمرهم عن الغلام بشاتين, وعن الجارية بشاة) وظاهر الأمر الوجوب ولنا على استحبابها هذه الأحاديث وعن أم كرز الكعبية, قالت: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (عن الغلام شاتان مكافئتان وعن الجارية شاة) وفي لفظ: (عن الغلام شاتان مثلان وعن الجارية شاة) رواه أبو داود, وفي رواية قال: " العقيقة عن الغلام شاتان " والإجماع قال أبو الزناد: العقيقة من أمر الناس كانوا يكرهون تركه وقال أحمد: العقيقة سنة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد عق عن الحسن والحسين, وفعله أصحابه وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: " الغلام مرتهن بعقيقته " وهو إسناد جيد يرويه أبو هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وجعلها أبو حنيفة من أمر الجاهلية, وذلك لقلة علمه ومعرفته بالأخبار وأما بيان كونها غير واجبة فدليله ما احتج به أصحاب الرأي من الخبر وما رووه محمول على تأكيد الاستحباب, جمعا بين الأخبار ولأنها ذبيحة لسرور حادث فلم تكن واجبة, كالوليمة والنقيعة.
فصل والعقيقة أفضل من الصدقة بقيمتها نص عليه أحمد وقال: إذا لم يكن عنده ما يعق فاستقرض, رجوت أن يخلف الله عليه إحياء سنة قال ابن المنذر: صدق أحمد إحياء السنن واتباعها أفضل, وقد ورد فيها من التأكيد في الأخبار التي رويناها ما لم يرد في غيرها ولأنها ذبيحة أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بها فكانت أولى كالوليمة والأضحية.
مسألة قال: [عن الغلام شاتان وعن الجارية شاة] هذا قول أكثر القائلين بها وبه قال ابن عباس وعائشة والشافعي, وإسحاق وأبو ثور وكان ابن عمر يقول: شاة شاة عن الغلام والجارية لما روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- (أنه عق عن الحسن شاة وعن الحسين شاة) رواه أبو داود كان الحسن, وقتادة لا يريان عن الجارية عقيقة لأن العقيقة شكر للنعمة الحاصلة بالولد والجارية لا يحصل بها سرور, فلا يشرع لها عقيقة ولنا حديث عائشة وأم كرز, وهذا نص وما رووه محمول على الجواز إذا ثبت هذا فالمستحب أن تكون الشاتان متماثلتين لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: " شاتان مكافئتان " وفي رواية " مثلان " قال أحمد: يعنى متماثلتين لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- " شاتان مكافئتان " وفي رواية: " مثلان " قال أحمد: يعنى لما جاء من الحديث فيه, ويجوز فيها الذكر والأنثى لما روى في حديث أم كرز أنها سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (عن الغلام شاتان مكافئتان وعن الجارية شاة, ولا بأس أن يكون ذكورا أو إناثا) رواه سعيد وأبو داود والذكر أفضل لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- عق عن الحسن والحسين بكبش كبش وضحى بكبشين أقرنين والعقيقة تجرى مجرى الأضحية والأفضل في لونها البياض, على ما ذكرنا في الأضحية لأنها تشبهها ويستحب استسمانها واستعظامها واستحسانها كذلك وإن خالف ذلك, أو عق بكبش واحد أجزأ لما روينا من حديث الحسن والحسين.
مسألة قال [ويذبح يوم السابع] قال أصحابنا: السنة أن تذبح يوم السابع فإن فات ففي أربع عشرة فإن فات ففي إحدى وعشرين ويروى هذا عن عائشة وبه قال إسحاق وعن مالك, في الرجل يريد أن يعق عن ولده فقال: ما علمت هذا من أمر الناس وما يعجبني ولا نعلم خلافا بين أهل العلم القائلين بمشروعيتها في استحباب ذبحها يوم السابع والأصل فيه حديث سمرة, عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل غلام رهينة بعقيقته تذبح عنه يوم سابعه ويسمى فيه ويحلق رأسه) وأما كونه في أربع عشرة ثم في أحد وعشرين فالحجة فيه قول عائشة رضي الله عنها وهذا تقدير, الظاهر أنها لا تقوله إلا توقيفا وإن ذبح قبل ذلك أو بعده أجزأه لأن المقصود يحصل وإن تجاوز أحدا وعشرين احتمل أن يستحب في كل سابع, فيجعله في ثمانية وعشرين فإن لم يكن ففي خمسة وثلاثين, وعلى هذا قياسا على ما قبله واحتمل أن يجوز في كل وقت لأن هذا قضاء فائت, فلم يتوقف كقضاء الأضحية وغيرها وإن لم يعق أصلا فبلغ الغلام, وكسب فلا عقيقة عليه وسئل أحمد عن هذه المسألة فقال: ذلك على الوالد يعنى لا يعق عن نفسه لأن السنة في حق غيره وقال عطاء, والحسن: يعق عن نفسه لأنها مشروعة عنه ولأنه مرتهن بها فينبغي أن يشرع له فكاك نفسه ولنا أنها مشروعة في حق الوالد, فلا يفعلها غيره كالأجنبى وكصدقة الفطر.
فصل ويستحب أن يحلق رأس الصبى يوم السابع, ويسمى لحديث سمرة وإن تصدق بزنة شعره فضة فحسن لما روى (أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لفاطمة لما ولدت الحسن احلقي رأسه وتصدقي بزنة شعره فضة على المساكين والأفاوض) يعني أهل الصفة رواه الإمام أحمد وروى سعيد, في سننه عن محمد بن على (أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عق عن الحسن والحسين بكبش كبش وأنه تصدق بوزن شعورهما ورقا) وأن فاطمة كانت إذا ولدت ولدا, حلقت شعره وتصدقت بوزنه ورقا وإن سماه قبل السابع جاز لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (ولد الليلة لي غلام, فسميته باسم أبى إبراهيم) وسمى الغلام الذي جاءه به أنس بن مالك فحنكه وسماه عبد الله ويستحب أن يحسن اسمه لأنه روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال (إنكم تدعون يوم القيامة بأسمائكم وأسماء آبائكم, فأحسنوا أسماءكم) وقال عليه السلام (أحب الأسماء إلى عبد الله وعبد الرحمن) حديث صحيح وروي عن سعيد بن المسيب أنه قال: أحب الأسماء إلى الله تعالى, أسماء الأنبياء (وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- تسموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي) وفي رواية: (لا تجمعوا بين اسمي وبين كنيتي).
فصل ويكره أن يلطخ رأسه بدم كره ذلك أحمد والزهري, ومالك والشافعي وابن المنذر وحكي عن الحسن, وقتادة أنه مستحب لما روى في حديث سمرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (الغلام مرتهن بعقيقته تذبح عنه يوم السابع ويدمي) رواه همام عن قتادة, عن الحسن عن سمرة قال ابن عبد البر: لا أعلم أحدا قال هذا إلا الحسن وقتادة وأنكره سائر أهل العلم, وكرهوه لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (مع الغلام عقيقته فأهريقوا عنه دما وأميطوا عنه الأذى) رواه أبو داود وهذا يقتضي أن لا يمس بدم لأنه أذى وروى يزيد بن عبد المزنى عن أبيه, أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (يعق عن الغلام ولا يمس رأسه بدم) قال مهنا: ذكرت هذا الحديث لأحمد فقال: ما أظرفه ورواه ابن ماجه, ولم يقل: عن أبيه ولأن هذا تنجيس له فلا يشرع كلطخه بغيره من النجاسات, وقال بريدة: كنا في الجاهلية إذا ولد لأحدنا غلام ذبح شاة, ويلطخ رأسه بدمها فلما جاء الإسلام كنا نذبح شاة, ونحلق رأسه ونلطخه بزعفران رواه أبو داود فأما رواية من روى: " ويدمى " فقال أبو داود " ويسمى " أصح هكذا قال سلام بن أبى مطيع عن قتادة, وإياس بن دغفل عن الحسن ووهم همام, فقال: " ويدمى " قال أحمد: قال فيه ابن أبى عروبة " يسمى " وقال همام " يدمى " وما أراه إلا خطأ وقد قيل: هو تصحيف من الراوى.
مسألة قال: [ويجتنب فيها من العيب ما يجتنب في الأضحية] وجملته أن حكم العقيقة حكم الأضحية في سنها وأنه يمنع فيها من العيب ما يمنع فيها, ويستحب فيها من الصفة ما يستحب فيها وكانت عائشة تقول: ائتونى به أعين أقرن وقال عطاء: لذكر أحب إلى من الأنثى والضأن أحب من المعز فلا يجزئ فيها أقل من الجذع من الضأن والثنى من المعز ولا تجوز فيها العوراء البين عورها, والعرجاء البين ظلعها والمريضة البين مرضها والعجفاء التي لا تنقى, والعضباء التي ذهب أكثر من نصف أذنها أو قرنها وتكره فيها الشرقاء والخرقاء والمقابلة, والمدابرة ويستحب استشراف العين والأذن كما ذكرنا في الأضحية سواء لأنها تشبهها, فتقاس عليها.
مسألة قال: [وسبيلها في الأكل والهدية والصدقة سبيلها إلا أنها تطبخ أجدالا] وبهذا قال الشافعي وقال ابن سيرين: اصنع بلحمها كيف شئت وقال ابن جريج: تطبخ بماء وملح وتهدى الجيران والصديق, ولا يتصدق منها بشيء وسئل أحمد عنها فحكى قول ابن سيرين وهذا يدل على أنه ذهب إليه وسئل هل يأكلها كلها؟ قال: لم أقل يأكلها كلها, ولا يتصدق منها بشيء والأشبه قياسها على الأضحية لأنها نسيكة مشروعة غير واجبة فأشبهت الأضحية ولأنها أشبهتها في صفاتها وسنها وقدرها وشروطها, فأشبهتها في مصرفها وإن طبخها ودعا إخوانه فأكلوها فحسن ويستحب أن تفصل أعضاؤها, ولا تكسر عظامها لما روي عن عائشة أنها قالت: السنة شاتان مكافئتان عن الغلام وعن الجارية شاة, تطبخ جدولا ولا يكسر عظم يأكل, ويطعم ويتصدق وذلك يوم السابع قال أبو عبيد الهروى في العقيقة تطبخ جدولا, لا يكسر لها عظم أي عضوا عضوا وهو الجدل بالدال غير المعجمة, والإرب والشلو والعضو والوصل, كله واحد وإنما فعل بها ذلك لأنها أول ذبيحة ذبحت عن المولود فاستحب فيها ذلك تفاؤلا بالسلامة كذلك قالت عائشة وروى أيضا عن عطاء وابن جريج وبه قال الشافعي.
فصل قال أحمد: يباع الجلد والرأس والسقط, يتصدق به وقد نص في الأضحية على خلاف هذا وهو أقيس في مذهبه لأنها ذبيحة لله فلا يباع منها شيء, كالهدى ولأنه تمكن الصدقة بذلك بعينه فلا حاجة إلى بيعه وقال أبو الخطاب: يحتمل أن ينقل حكم إحداهما إلى الأخرى, فيخرج في المسألتين روايتان ويحتمل أن يفرق بينهما من حيث إن الأضحية ذبيحة شرعت يوم النحر فأشبهت الهدي, والعقيقة شرعت عند سرور حادث وتجدد نعمة فأشبهت الذبيحة في الوليمة, ولأن الذبيحة ها هنا لم تخرج عن ملكه فكان له أن يفعل بها ما شاء من بيع وغيره, والصدقة بثمن ما بيع منها بمنزلة الصدقة به في فضلها وثوابها وحصول النفع به, فكان له ذلك
فصل قال بعض أهل العلم: يستحب للوالد أن يؤذن في أذن ابنه حين يولد لما روى عبد الله بن رافع عن أمه (أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أذن في أذن الحسن حين ولدته فاطمة) وعن عمر بن عبد العزيز أنه كان إذا ولد له مولود, أخذه في خرقة فأذن في أذنه اليمنى وأقام في اليسرى, وسماه وروينا أن رجلا قال لرجل عند الحسن يهنئه بابن له: ليهنك الفارس فقال الحسن: وما يدريك أنه فارس هو أو حمار؟ فقال: كيف نقول؟ قال: قل: بورك في الموهوب وشكرت الواهب وبلغ أشده, ورزقت بره وروي أن (النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يحنك أولاد الأنصار بالتمر) وروى أنس قال: (ذهبت بعبد الله بن أبى طلحة إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين ولد قال: هل معك تمر؟ فناولته تمرات فلاكهن ثم فغر فاه ثم مجه فيه, فجعل يتلمظ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: حب الأنصار التمر وسماه عبد الله).
فصل قال أصحابنا: لا تسن الفرعة ولا العتيرة وهو قول علماء الأمصار سوى ابن سيرين فإنه كان يذبح العتيرة في رجب ويروى فيها شيئا والفرعة والفرع بفتح الراء: أول ولد الناقة كانوا يذبحونه لآلهتهم في الجاهلية فنهوا عنها قال ذلك أبو عمرو الشيبانى وقال أبو عبيد العتيرة هي الرجبية, كان أهل الجاهلية إذا طلب أحدهم أمرا نذر أن يذبح من غنمه شاة في رجب وهي العتائر والصحيح, -إن شاء الله تعالى- أنهم كانوا يذبحونها في رجب من غير نذر جعلوا ذلك سنة فيما بينهم, كالأضحية في الأضحى وكان منهم من ينذرها كما قد تنذر الأضحية بدليل قول النبي -صلى الله عليه وسلم- (على كل أهل بيت أضحاة وعتيرة) وهذا الذي قاله النبي -صلى الله عليه وسلم- في بدء الإسلام تقرير لما كان في الجاهلية, وهو يقتضي ثبوتها بغير نذر ثم نسخ ذلك بعد ولأن العتيرة لو كانت هي المنذورة لم تكن منسوخة فإن الإنسان لو نذر ذبح شاة في أي وقت كان, لزمه الوفاء بنذره والله أعلم وروي عن عائشة رضي الله عنها قالت: (أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالفرعة من كل خمس واحدة) قال ابن المنذر: هذا حديث ثابت ولنا ما روي أبو هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (لا فرع ولا عتيرة) متفق عليه وهذا الحديث متأخر عن الأمر بها فيكون ناسخا ودليل تأخره أمران أحدهما, أن راويه أبو هريرة وهو متأخر الإسلام فإن إسلامه في سنة فتح خيبر, وهي السنة السابعة من الهجرة والثاني أن الفرع والعتيرة كان فعلهما أمرا متقدما على الإسلام فالظاهر بقاؤهم عليه إلى حين نسخه, واستمرار النسخ من غير رفع له ولو قدرنا تقدم النهي على الأمر بها لكانت قد نسخت ثم نسخ ناسخها, وهذا خلاف الظاهر إذا ثبت هذا فإن المراد بالخبر نفى كونها سنة لا تحريم فعلها ولا كراهته, فلو ذبح إنسان ذبيحة في رجب أو ذبح ولد الناقة لحاجته إلى ذلك أو للصدقة به وإطعامه, لم يكن ذلك مكروها والله - تعالى - أعلم.
|